تحرش بي عمي من قبل عدة مرات ، وبعد ذلك صارحت والدي بما حدث ، فلم أجد منه سوى رد فعل لا يقارن بما فعله بي عمي , وأجد والدي الآن على علاقة طيبة جدّاً بعمي ، ويدعوه إلى البيات معنا في منزلنا ، ويعامله معاملة حسنة جدّاً ، وأنا لا أتحمل هذا ، فما عقاب والدي ؟ وهل إذا شعرت بالكراهية تجاه والدي هل يوجد ذنب عليَّ ؟ وجزاكم الله كل خير .
الحمد للَّه
قد أحسنتِ حين شكوتِ أمر عمكِ إلى والدك ، فقد كان تصرفا حكيما يدل على عقل وخلق ودين ، نسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله ويحفظك بحفظه ، ولكن لا تعجلي في الحكم على والدك بالكراهة ، أو التشكك في حرصه على حفظك ورعايتك .
نعم الواجب عليه أن يكون أكثر صرامة مع أخيه الذي تكرر منه التحرش ، وأقل ما جب عليه فعله هو عدم السماح له بالمبيت في منزلكم ، وعدم استئمانه على بيته وأهله وعرضه ، بل عدم السماح له بزيارتكم ورؤيتكم ، والغيرة الشرعية تقتضي منه توعد أخيه بقطع العلاقة معه ، فالأولاد أمانة في عنق والدهم ، وهو مسؤول عن حفظ ورعاية هذه الأمانة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُم ) رواه البخاري ( 2554 ) ومسلم ( 1829 ) .
ولكن قد يقصر بعض الآباء في ذلك بسبب قلة الوعي وسوء تقدير للأمور ، أو لثقة زائدة في أخيه ، أو شعور بأن أخاه قد تاب وندم ، وأن تحرشه إنما كان زلة .
فلا تتعجلي في اتهام والدك والظن بإهماله عرضه وعرض بناته ، وتجاوزي ذلك بمصارحته ومحاورته والاستعانة بالوالدة والإخوان ، وحاولي إقناعه بخطورة الأمر وأنه لا ينبغي التساهل فيه ، خاصة وأنه قد اتخذ موقفا من أخيه ، لكنه رد فعل ضعيف كما وصفته أنت في السؤال ، وهو على كل حال يدل على حرص من والدك ولو إلى حد ما .
فإن أراد أن يمنح أخاه فرصة أخيرة فلا يكون ذلك بالإذن له بالمبيت عندكم ، فإن في ذلك إعانة للشيطان عليه ، بل يكون بالبعد عنكم وعن مخالطتكم ، وإن أراد أن يبقى على اتصال به فليكن بينهما دون أن يكون لكم أنتم أهل بيته شأن في الموضوع .
فإن أصر والدك – لا قدر الله – على اختلاط أخيه بكم ، والتوسعة له في منزلكم ، فلا يجوز لك السكوت والرضا حينئذ ، ويجب أن تتحلي بالقوة والشجاعة كي تشكي أمر والدك لأقرب الناس إلى أسرتكم ممن ترين فيه الدين والخلق والحكمة ، واستعيني بهم على حل المشكلة التي تواجهين ، ولا بد أن تجدي من يتفهم الموقف ويكون خير معين لك إن شاء الله .
وعليك أنت خلال ذلك المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل ، فإن كثيرا من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم ، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً ، وتكشف ساقيها وذراعيها وأكثر من ذلك ، بدعوى أنها تجلس مع محارمها ، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل محرَّم ، وأن المحرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه ، خاصة إذا كان شابّاً عزباً .
وعليك الابتعاد عن المكان الذي يراك فيه عمك هذا ، وقطع العلاقة به تماما ، فلا تجلسي في مجلس يكون فيه ، ولا تلقي عليه السلام ، وإن وجدت بيتا من بيوت محارمك من أصحاب الخلق والدين فاخرجي إليه حتى يخرج عمك السيء من منزلكم .
بل إننا ننبهك هنا إلى مسألة مهمة ، في حال عدم تصرف التصرف المناسب أمام تلك المشكلة ، وعدم مبالاته بالتصرف الشائن لهذا الأخ الخائن ؛ ننبهك إلى أنه سوف يكون عليك أن تتحملي مسئولية كبيرة تجاه نفسك ودينك ، مسئولية في تعويض ذلك المقدر المفتقد من غيرة والدك ، وحسن قوامته عليك ، ورعايته لك ، خاصة فيما يتعلق بأمر الدين والفضيلة ، والحفاظ على حجابك ، والبعد عن الاختلاط والخلوة المحرمة .
والله سبحانه وتعالى مطلع على حالك ، ويعلم أنك تحبين الفضيلة وتكرهين الرذيلة ، وأنك تجاهدين في سبيل درء كل فتنة ، وسيكتب لك أجرك إن شاء الله تعالى كاملا موفرا غير منقوص .
قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الأحزاب/35 .
والله أعلم