السؤال: امرأة متزوجة وزوجها يعمل طوال الأسبوع، في عطلة آخر الأسبوع، وفي ليلة آخر يوم في الأسبوع يذهب الزوج ويقضي وقته مع أصحابه ويدع زوجته لوحدها: بحجة أن هذا من حقه وأن لها طوال الأسبوع ؟ فهل لها أن تعترض: حيث أنه يدعها طوال الليل يسهر مع أصحابه ولا يضيع الصلاة ، لكن يمضون الوقت بالحديث ولعب الشدة والأرجيلة وهم محافظون على الصلوات ولا يضيعونها؟ وإن كان السهر لشيء في طاعة الله وليس للهو والسهر مع الأصحاب هل له نفس الحكم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الواجب في أمور الحياة الزوجية أن تتم بالتفاهم والمودة ببن الزوجين ، وأن يكون هناك فرصة للحوار ، وتبادل وجهات النظر بينهما ، وأن ينقل كل منهما للآخر ما في نفسه ، وما يعانيه من مشكلات ومتاعب ، وأن يجتهدا في التعاون على حل ذلك .
وليس من شك في أن الزوج الذي يعمل طوال الأسبوع ، يحتاج إلى فترة من الترويح عن نفسه ، وملاقاة إخوانه وأصدقائه ، وربما لا يتيسر ذلك إلا في عطلة نهاية الأسبوع ، ولذلك فليس هناك مانع من أن يجتمع الرجل مع أصدقائه ، ليأنسوا ببعضهم ، ويتبادلوا الحديث المباح ، لكن بشرط ألا يكون هناك منكر ولا معصية في هذا الاجتماع .
وبالنسبة لهذا الاجتماع فإن كان فيه أحد يشرب الأرجيلة ، كما ورد في السؤال ، فلا يجوز لزوجك أن يشاركهم فيه ، بهذه الصورة المعتادة ، حتى ولو لم يكن هو يشربها ، فإن المكان مكان منكر ، لا يجوز له أن يغشاه ، ثم إنه يوشك أن يعتاد شربها منهم .
وهكذا لعب الشدة هي دائرة بين الحرمة والكراهة ، في أقل أحوالها ، إذا لم يصاحبها شيء من القمار ؛ فأما إذا كان معها قمار : فهي محرمة بلا شك .
ثانيا :
الأصل في السهر بعد العشاء أنه مكروه ، لأنه يؤدي إلى التأخر في القيام إلى الصلاة ، وتضييع الحقوق ، ولهذا ترجم الإمام البخاري عليه : ( بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ السَّمَر بَعْدَ الْعِشَاء ).
قال الإمام ابن حجر رحمه الله في شرحه : أَيْ بَعْدَ صَلَاتهَا ... ؛ وَالْمُرَاد بِالسَّمَرِ فِي التَّرْجَمَة مَا يَكُون فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا اِخْتِصَاص لِكَرَاهَتِهِ بِمَا بَعْدَ صَلَاة الْعِشَاء ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ فِي الْأَوْقَات كُلِّهَا .
روى البخاري(599) ومسلم (647) من حديث أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" لِأَنَّ النَّوْم قَبْلَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجهَا عَنْ وَقْتهَا مُطْلَقًا أَوْ عَنْ الْوَقْت الْمُخْتَار , وَالسَّمَر بَعْدَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْم عَنْ الصُّبْح أَوْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار أَوْ عَنْ قِيَام اللَّيْل .
وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَضْرِب النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَيَقُول : أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْل وَنَوْمًا آخِرَهُ ؟ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّة النَّهْي ذَلِكَ " انتهى .
ثالثا :
السهر بعد العشاء كما قلنا مكروه من حيث الأصل ، فإذا اقترن السهر بشيء محرم ، كان لا شك في تحريمه ، خاصة إذا أدى إلى تضييع الصلاة ، أو إخراجها عن وقتها .
وأما السهر بعد العشاء في طاعة ، كأن يكون سهر للصلاة ، أو تلاوة القرآن ، أو طلب العلم النافع ، أو نحو ذلك من المقاصد الشرعية ، فهو أمر محبوب مطلوب ، لكن بشرط ألا يؤدي إلى تضييع طاعة أولى منها ؛ بمعنى أنه لا يسهر في طلب العلم أو تلاوة القرآن ، ثم ينام عن صلاة الفجر ، بل له أن يسهر في الطاعة التي يحتاج إلى السهر فيها ، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تضييع الصلاة ، أو التفريط في حق الأهل أو الضيف ، أو نحو ذلك .
ولذلك ترجم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : " باب السمر في العلم" ، وذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه ، فقال أبو موسى "الصلاة" ؟ فقال عمر : إنا في صلاة " انتهى من "فتح الباري" .
روى أحمد (6589) ـ وصححه الألباني ـ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ ) .
والخلاصة :
أن اعتياد السهر بعد العشاء : مكروه من حيث الأصل ، فإن اقترن به أمر محرم : فلا شك في تحريمه ، وإن كان في طاعة ، فهو مباح ، أو مطلوب ، بحسب الحال .
ولا بأس أن يسهر زوجك أحيانا مع أصدقائه ، على ألا يضيع حق زوجه ، ولا يكون في السهر شيء محرم من الأقوال والأفعال .
وننصحك أن تتلطفي مع زوجك في التفاهم معه حول ذلك الأمر ، وأن ترفقي به في النصح ، وطلب تعديل ما يفعله .